الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معجم القواعد ***
النَّعتُ:
-1 تَعْريفُه: هُوَ التَّابعُ المَقْصُودُ بالاشْتِقَاق وَضْعًا أو تَأوِيلًا، والذي يُكمِّل مَتْبوعَه بدَلالَتِه على مَعنى فيه، أو فِيمَا لَهُ تَعلُّقٌ به، ويَخرجُ بالمَقْصودِ مِثل الصِّدِّيق فإنَّه كان مُشْبَقًا ثُمَّ غَلَب حَتَّى صَارَ التَّعيين به أَتَمَّ من العَلَم وقوله "وَضْعًا" نحو "مَرَرْتُ بِرَجُلٍ كَرِيمٍ" أو بَأوِيلاُ نحو: "رَأَيتُ غُلامًا ذا مَالٍ" أي صاحِبَ مَالٍ، والمُرادُ بدَلالَة على مَعْنى فيه ظَاهِرٌ في هذِهِ الأَمثِلَة، والمُرادُ بقَولِه فيما له تَعَلُّقٌ به نحو قولك: "حضَر الصَّانِعُ المَاهِرُ أبوه". -2 أغراضه: يُسَاقُ النَّعتُ لتَخْصِيصٍ نحو: {والصَّلاةِ الوُسْطَى} (الآية "238" من سورة البقرة "2") ونحو {مِنْهُ آياتٌ مُحْكَمَاتٌ} (الآية "7" من سورة آل عمران "3"). أو "تَعْمِيمٍ" نحو "إنَّ اللَّهَ يَرزُقُ عِبادَه الصَّالِحين والطَّالِحين" أو "تفْصيلٍ" نحو "نَظَرتُ إلى رَجُلَين: عَرَبيٍ وعَجَميٍّ" أو "مَدْحٍ" نحو {الحمد للَّهِ رَبِّ العَالَمِين}. أو "ذَمٍّ" نحو {فاسْتَعِذْ باللَّهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ} (الآية "98" من سورة النحل "16"). أو "تَرَحُّم" نحو: "لَطَفَ اللَّهُ بعبادِه الضُّعَفاءِ" أو "إبْهامٍ" نحو "تَصدَّقْ بصدقةٍ قَلِيلَةٍ أو كَثيرة" أو "تَوكيد" نحو "أمْسِ الدابِرُ لن يَعودَ" و{فإذا نُفخَ في الصُّور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} (الآية "13" من سورة الحاقة "69")، فالنَّفخة تَدل على الوَحْدَة لأَنَّ بِنَاءَها لِلمَرَّة، ووَاحِدَةً: نَعْتٌ يُفيدُ التَّوكِيد. -3 مُوافقة النَّعْتِ المَنْعُوتَ في التنكير والتعريف: لا بُدَّ مِن مُوَافَقةِ النَّعْت المَنْعُوت في التَّنْكِير والتَّعريف، وقد بَسَطَ سيبويه في كتابه مُوافَقَةَ النَّعْتِ مَنْعُوته، نُلَخِّصُها بما يلي، ونَبْدأ بما بدأ به، وهو نعتُ النكرة: يقُول سيبويه: ومن النَّعتِ "مَرَرْتُ برجُلٍ أيِّما رجُلٍ" فإيِّما نعتٌ للرجل في كماله، وبَذِّه غيره، كأنَّه قال: مَرَرْتُ برجُلٍ كامِلٍ. ومنه "مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسْبِكَ مِنْ رجُلٍ" فهذا نعْتٌ للرجُل بِكَمَالِه، واجْتِماع كلِّ مَعَاني الرُّجُولةِ فيه. وكَذلِكَ: كَافِيكَ مِن رجُلٍ، وهَمِّكَ مِن رَجُلٍ (هَمّك: أي حَسْبِك)، ونَاهِيكَ من رجلٍ. و "مرَرْتُ برجلٍ ما شِئْتَ مِنْ رَجلٍ" و "مرَرْتُ برجلٍ شَرْعِكَ من رَجُلٍ" (شَرْعِك: حَسْبِك أيضًا)، و "مرَرْت برَجُلٍ هَدِّكَ من رَجُلٍ" (أي بكسر الدال من هدك، ومعناه: كافيك من رجل، وفي اللسان: وانشد ابن الأعرابي: "ولي صَاحبٌ في الغار هَدِّك صَاحِبًا" أي ما أجلَّه وما أنْبَلَه وما أعلمه، يصف ذئبًا)، و "بامرأةٍ هَدِّكَ مِن امْرأة"، فهذا كلُّه على مَعنىً وَاحِدٍ، وما كَانَ يَجْري فيه الإعرابُ فصارَ نَعْتًا لأوَّله جَرى على أوَّلِه (جرى على أوَّلِه: أي إن النعت يتبع المنعوت باعرابه رَفعًا ونصبًا وجرًا لأنهما لشيء واحد). وسَمِعْنا بعضَ العرب المَوثُوقِ بهم يَقول "مَرَرْتُ برجُلٍ هَدَّك مِنْ رَجُلٍ" (أي بفتح الدال)، و "مررتُ بامرأةٍ هَدَّتْك من امرأةٍ" فجعله فِعْلًا مَفْتُوحًا، كأَنَّه قال: فَعَل وفَعَلَتْ بمَنْزِلَةِ كفَاك وكَفَتْكَ. ومن النَّعت أيضًا (أي من نعت النكرات): مررت برجُلٍ مِثْلِك، فَمِثْلُك نَعْتٌ على أنَّكَ قلتَ: هو رَجُلٌ كما أنَّك رَجُلٌ. ويكون نَعْتًا أيضًا على أنَّه لم يَزِد عليكَ، ولم يَنقُص عنكَ في شَيءٍ من الأُمُور، ومثلُه: مررتُ برجلٍ، مثلِك أي صُورتُه شَبِيهَةٌ بصُورتِك" وكذلك: مَرَرْتُ برجلٍ ضَرْبِك وشِبْهِكَ وكذلك نَخْوِك، يُجرَين في الإعراب مُجْرىً وَاحدًا، وهُنَّ مُضَافَاتٌ إلى مَعْرِفةٍ صِفاتٌ لنكرةٍ (المعرفة لا تكون نعتًا لنكرة، أما هذه الألفاظ كلها من شرعك وهدك ومثلك ونحوك وغيرك فظاهرها أنها تعرَّعَت بالإضافة إلى الضَّمير، وحَقِيقتُها أنها لم تكتسب تعريفًا مّا لشدِّة شُيُوعها وإبهامِها)، ثم يقول: ومنه "مَرَرْتُ برجلٍ شَرٍّ مِنْك" فهو نعتٌ على أنَّه نَقَص أنْ يكونَ مِثْلَه. ومنه: "مَرَرْتُ برجلٍ خَيرٍ مِنْكَ" فهو نَعتٌ يَفْصِلُ به بينَ مَن نَعتَّه بِغَير وبَين من أَضَفْتَها إلَيه حتى لا يكونَ مِثلَه، أو يكونَ مَرَّ باثنين. ومنه: "مَرَرتُ برَجُلٍ آخَرَ" فآخَرُ نَعْتٌ على نحو غير. ومنه "مَرَرتُ برجلٍ حَسَنِ الوَجْهِ" نَعَتَ الرَّجلَ بحُسْنِ وَجْههِ، ولم تُجعل فيه الهاءُ التي هي إضْمَارُ الرجُلِ أي حَسَنٍ وجْهُهُ. وقال: وممَّا يكونُ نَعْتًا للنكرةِ وهوَ مُضَافٌ إلى مَعْرِفة قول الشاعر امْرِئ القيس: بمُنْجَرِدٍ قيدِ الأَوابِدِ لاَحَهُ *** طِرادُ الهَوَادِي كُلَّ شَأْوٍ مُغَرَّبِ ومِمَّا يكونُ مُضَافًا إلى المعرفة ويكونُ نَعْتًا للنكرة الأسماءُ التي أُخِذَتْ من الفِعْل، فأُريدَ بها معنى التنوين (وهي المشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول والفة المشبهة فإنها إذا أُضيفت إلى ضمير فإضافتها لفظية لا تفيد تعريفًا، وبذلك يصح نعت النكرة بها، ويريد بالتنوين أن مثل "هذا رجلٌ ضاربك" لا يختلف عن قولك "هذا رجلٌ ضاربٌ إيَّاك" فالأول تخفيف للثاني). ومن ذلك "مَرَرْتُ رِرَجُلٍ ضَارِبِكَ" فهو نعتٌ على أنه سَيَضربه، كأنَّك قلت: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ضَارِبٍ زَيْدًا ولكنْ حُذِفَ التَّنْوين من ضاربك استِخفَافاُ، وإن أظْهَرتَ الاسمَ وأَرَدْت التَّخْفِيف، والمَعنى مَعنى التَّنوين، جَرَى مَجْراه حين كان الاسم مُضمرًا، ويدلُّكَ على ذلك قولُ جرير: ظَلِلْا بمُسْتَنِّ الحَرُور كأننا *** لَدَى فَرسٍ مُستقبِلِ الريح صائِم (قال ثعلب: هذا بيت نَصبُوهُ على أرمَاح ليَسْتَظِلوا به فطيرته الريح، والشاهد فيه نعت فرس النكرة بقوله "مستقبل الريح" ظاهره معرفة وهو بمنزلة النكرة). كأنه قال: لدى مُسْتَقبلٍ صَائم، وقال ومنه أَيضًا قَولُ ذِي الرُّمَّة: سَرَتْ تَخبِطُ الظلماءَ من جَانَبي قَسًا *** وحُبَّ بها من خابِطِ الليل زائرِ حُبَّ بها أي احْبِبْ بها، ومِنَ النَّعتِ أيْضًا: "مَرَرْتُ برَجُلٍ إمَّا قَائِمٍ وإمّا قَاعِدٍ" أي ليسَ بمُضطَجِعٍ، ولكنه شَكَّ في القيام والقعود، وأعْلَمَهُم أنَّه على أَحَدِهما. ومنه أيضًا "مَرَرتُ برجلٍ لا قَائِمٍ ولا قَاعِدٍ". ومنه "مَرَرْتُ برَجلٍ رَاكبٍ وذَاهِبٍ" أو "مررتُ برجلٍ رَاكِبٍ فَذَاهِبٍ" ومنه "مَرَرتُ برجُلٍ رَاكِبٍ ثُمَّ ذَاهِبٍ". ومنه "مرَرتُ برجلٍ رَاكعٍ أو سَاجدٍ"، فإنَّما هي بمَنْزِلة: إمَّا وإمَّا. ومنه "مَرَرْتُ برجُلٍ رَاكعٍ لا سَاجِدٍ". لا: إخْراجٌ للشك، ومنه "مررتُ برجلٍ راكعٍ بل سَاجِدٍ" إمَّا غَلِطَ فاسْتَدْرَكَ أو نَسِيَ فَذَكَرَ. ومنه "مَرَرْتُ برجُلٍ حَسَنِ الوجْهِ جَمِيلِه". ومنه "مَرَرتُ برجُلٍ ذِي مالٍ"، ومنه "مررتُ برجلٍ رَجُلَ صدقٍ" مَنْسوبٍ إلى الصلاح، ومنه "مَرَرتُ برَجُلينِ مِثْلِك" أي كلُّ واحدٍ منهما مِثْلِك، وكل ذلك جَرٌّ. ومنه "مَرَرتُ برجُلين غيرك" أي غيرِه في الخِصَال، أو رَجُلين آخَرين، ومنه "مررتُ برجُلَين سَوَاءٍ". ومن النَّعت أيضًا: "مَرَرتُ برجُلٍ مثلِ رَجُلَين" وذلك في الغَنَاء، وهذا مثلُ قولِكَ: "مَرَرتُ بِبُرٍّ مِلْءِ قَدَحَين" وكذلك "مَرَرتُ بِرَجُلَين مثلِ رَجُلٍ" في الغَنَاء، كقَولِكَ "مَرَرْتُ بِبُرَّين مِلْءِ قَدَح" وتَقُول: "مَرَرتُ بِرَجُلٍ مِثْلِ رَجُلٍ" ومنه "مَرَرتُ بِرَجُلٍ صَالحٍ بل طالحٍ" و "ما مَرَرتُ بِرَجُلٍ كريمٍ بَلْ لَئِيمٍ" أَبْدلْت أي بِبَل الصفةَ الآخرةَ من الأُولَى، وأشْرَكتَ بَينَهما أي بالعطف بل في الإجراء على النعوت (أي بإتْبَاعِه بالحَركات والتذكير أو التَّأنيث والتعريف أو التنكير والإفراد أو التَّثْنية أو الجَمع) ولكنَّه يجيء على النِّسْيان أو الغَلَط أي بِبَل فَيَتَدَارَكُ كَلاَمَه، ومثلُه: "مَا مَرَرتُ بِرَجُلٍ صالحٍ ولكنْ طالحٍ" أبْدَلْتَ الآخِرَ أي النَّعت الآخر من الأول أي من النعت الأول فَجَرى مَجْراه في بَلْ. ولا يُتَدَارَكُ بـ "لكن" إلاَّ بَعْدَ النفي، وإن شِئتَ رَفَعتَ على تقدير هو في "لكن" و "بل" فقلتَ "مَا مَرَرتُ بِرَجُلٍ صالحٍ بل طالحٍ" أي هو طالِحٌ، من ذلك قَولُه عزْ وجلّ: {وَقالوا اتَّخذَ الرَّحمنُ وَلَدًَا سُبْحَانَه بَل عِبَادٌ مُكْرَمُون} (الآية "26" من سورة الأنبياء "21")، ويقول سيبويه: واعلم أنَّ "بَلْ ولاَ بَلْ، ولَكِنْ" يَشْرَكْن بين النَّعتَين فَيُجْرِيَان على المَنْعُوت كما أشْرَكتْ بَيْنَهما "الواوُ، والفَاءُ، وثُمَّ، وأوْ، ولا، وإمّا". أمّا الاستِفْهام، فلهُ الصَّدَارَةُ فلا يَعمْل فيه ما قَبْله، تقول: "ما مَرَرتُ برجلٍ مُسْلمٍ فكيفَ راغِبٌ في الصدقة" بمنزلة: فأين راغِبٌ في الصدقة، على حَدِّ قولِ سِيبويه. -4 مُوافَقةُ النعْتِ لِمَنْعُوته في التَّعريف: يقول سيبويه "هذا باب مَجْرَى نعتِ المَعْرِفة عليها" ثم يقول: واعْلم أنَّ المَعرِفَة (وذكر سيبويه بأول بحثه المعارف بقوله: فالمعرفة خمسة أشياء: الأسماء التي هي أعلام خاصة، والمضاف إلى المعرفة إذا لم تُرِد معنى التنوين والألف واللام والأسماء المبهمة وهي اسم الإشارة والإضمار)، لا تُوصَفُ إلاَّ بمَعْرِفَة: كما أنَّ النَّكرة لا تُوصَفُ إلا بِنَكَرَةٍ، واعْلَم أَنَّ العَلَم الخاصّ من الأسْماء يُوصَفُ بثَلاثَة أشياء: بالمُضَافِ إلى مِثْله (أي المضاف إلى المعارف كالمضاف إلى الضمير)، وبالألِف واللاَّم، والأسماء المُبْهَمَة وهي أسماء الإشارة فأما المُضَافُ فنحو: "مَرَرتُ بزيد أَخِيكَ" والأَلِفُ واللامُ نحو: "مَرَرتُ بِزَيدٍ الطَّويلِ" وما أشْبه هذا مِنَ الإضافة والأَلِف واللاَّمِ، وأما المُبْهَمَة أي أسماءُ الإشارة فنحو "مَرَرتُ بِزَيدٍ هَذا وبعَمرٍو ذاك". والمُضَافُ إلى المَعْرِفة يُوصَف بثلاثَةِ أشْياءَ: بمَا أُضِيفَ كإضَافَتِهِ وبالألِف واللاَّم، والأسماءِ المبهمة، وذلك "مررت بصاحبك أخِي زَيدٍ" و "مرَرتُ بِصاحبك أخِي زَيْدٍ" و "مرَرْتُ بِصَاحِبِكَ الطَّوِيل". و "مررتُ بصَاحِبك هَذَا" فأمَّا الألف واللام فتُوصَفُ بالألِف واللاَّم، وبما أُضِيفَ إلى الأَلِف واللاَّم بمَنْزِلة الألفِ واللام فَصَارَ نَعْتًا كما صار المُضَافُ إلى غَيرِ الأَلِفِ واللام صِفةً لِما لَيْسَ فيه الأَلِف واللام - وقد تقدم مثله - وذلك قولُك: "مررتُ بالجميلِ النبيلِ" و "مررتُ بالرجل ذي المال". وأمّا المُبْهَماتُ وهي أسماءُ الإشارة - فهي ممَّا يُنعَبُ به - ونُنْعَت (وعند الزجاج والكوفيين لا يَنْعَتُ اسمُ الإشارة ولا يُنْعتُ به، والأَولى عِنْدهم جعلُه بَيانًا)، فالأول نحو قوله تعالى: {بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُم هذا} (الآية "63" من الأنبياء "21"} وأما الثاني فنحو قوله تعالى: {أَرَأَيْتَكَ هذا الَّذي كرَّمتَ عَلَيَّ} (الآية "62" من الإسراء "17"). ثم يقول سيبويه: واعْلَمْ أن صِفَاتِ المَعْرِفَة تَجْرِي مِنَ المعرفة مَجْرَى صِفاتِ النكرةِ مِنَ النكِرَة، وذلك قَولُكَ: "مَرَرْتُ بَأخَوَيْكَ الطَّويلَيْن" فلَيس في هذا إلاّ الجرُّ، كما ليسَ في قولك: "مَرَرْت برجلٍ طويلٍ" إلاّ الجَّر. ويَثول، وإذا قُلتَ "مَرَرْتُ بزيدٍ الرَّكعِ ثم السَّاجدِ" أو الرَّاكِعِ فالسَّاجِدِ، أو الراكع لا السَّاجد، أو الرَّاكِع أو السَّاجدِ، أو إمَّا الراكِعِ وإمّا السَّاجِدِ، وما أَشْبَه هذا لم يكنْ وجهُ كَلاّمِه إلاَّ الجَرَّ، كما كانَ ذلك في النكرة وقد تَقَدَّمَتْ فإن أدخلتَ "بَل ولكن" جازَ فيهما ما جاز في النكرة أي العَطْفُ على النعت أو القَطْع على أن يكونَ خَبرًا لمبتدأ هو وقد مضَى الكلام في النكرة فأغنى عن إعادته في المعرفة. -5 ما يَتْبعُ به النَّعتُ الحقيقيُّ مَنْعوتَه في غير التَّنكير والتعريف: قدَّمْنا مُتَابَعةَ النعتِ مَنْعُوتَه في التنكير والتعريف، ونذكر هنا ما يتبعه بغيرهما، من ذلك: مُتَابَعَةُ النَّعبِ مَنْعُوتَه بوَاحِدٍ من الإفْرادِ والتثنية والجمع، وبواحِدٍ من الرَّفع والنصب والجرّ، وبواحِدٍ من التّأْنِيث والتَّذْكير، فمِثَالُ المُوَافَقَة من الإفراد والتثنية والجَمْع قَوْلك: "الرِّجالُ الشُّجْعَان ذخِيرةُ الوَطَنِ" أتْبَع النعتُ مَنْعوتَه بالجمع، وكذلك التثنية والإفرَاد، ويُتَابعُ النَّعْتُ مَنْعوته بواحدٍ من الرَّفع والنَّصب والجَرّ، نحو "هذا رَجُلٌ صالحٌ" و "رأيت عمرًا العالِمَ" و "نظرت إلى هِندٍ المبارَكَةِ"، وأمَّا إتْبَاعُه في التَّذكِير والتأنيث فالنعتُ يكونُ مُذَكَّرًا إذا كان المَنْعُوتُ مُذكَّرًا، وإذا كانَ المَنعُوتُ مُؤَنَّثًا كانَ النعتُ مُؤَنَّثًا، وبهذا نفهم قول بعض المُتَأَخرِّين بأنَّهُ يَجِبُ أنْ يوافِقَ النَّعتُ الحقيقي مَنْعُوته في أَرْبَعةٍ من عَشَرة. واحِدٍ: من الرفعِ والنصبِ والجرِّ، وواحِدٍ من الإفرادِ والتثنيةِ والجمع، وواحدٍ من التَّذكير والتأنيث، وواحدٍ من التعريف والتنكير. (يتبع...) (تابع... 1): النَّعتُ:...... -6 ما لا يوافق فيه النعت منعوته في التأنيث والتثنية والجمع: هو ما يَسْتَوِي فيه المُذَكَّر والمُؤَنَّث، كـ "المَصْدَر" غير المِيمي، وصَيغَتضي "فَعُول" و "فعِيل" و "أفْعِل" التَّفْضيل، فهذه لا تُطَابِق مَنْعوتها في التأنيث التثنية والجمع، بل تازم الإفراد، والتَّذكير، تقول: "جَاءَني رَجُلٌ أو امْرَأةٌ أوْ امْرَأَتان أو رَجُلانِ أو نِسَاءٌ أوْ رِجالٌ عَدْلٌ، أو صَبُورٌ، أو جَرِيحٌ، أو أفْضَلُ من غيرِه". وكذلك نَعْت جمع ما لاَ يَعْقِل، فإنَّها تُعامَلُ مُعَامَلَة المُؤنَّثّةِ المُفردةِ أو جَمْع المُؤَنَّث نحو: {إلاَّ أيَّامًا مَعْدُودَة} (الآية "80" من سورة البقرة "2") و{في أيامٍ مَعْدُودَات} (الآية "203" من سورة البقرة "2"). -7 ما يَتْبعُ به النَّعتُ السَّبَبيُّ مَنْعُوته: قَدَّمْنا في تعرِيفِ النَّعْت: أَنَّه الذي يُكْملُ مَتْبُوعه بدَلاَلَتِه على مَعْنىً فيه، أو فِيما لَه تَعَلُّقٌ به، والذي يَدُلُّ عَلى مَعْنىً فيه هو الحَقِيقي، وقد قَدَّمْنَاه، والذي له تعلُّقٌ به هوَ السَّبَبِي، وهنا الكلامُ عليه، وشَرطُ النَّعْت السَّبَبِي، وهنا الكلامُ عليه وشَرْطُ النَّعْت السَّببي أن يَتْبَع مَنْعُوته في اثنين واحِدٍ من الرَّفْعِ والجَرِّ والنَّصْبِ ووَاحِدٍ من الرَّفْعِ والجَرِّ والنَّصْبِ ووَاحِدِ من التَّعْرِيف والتَّنْكِير، ويكونث مُفْردًا دائمًا، ولو كانَ مَنْعُوتُه مُثَنّىً أو جَمْعًا، إلاَّ جمعَ التكسير، فيَجُوزُ معه جمعُ النَّعْت تَكْسِيرًا، تقولك "زُرْتُ أبًا نُشَطَاءَ أبْناؤه" أو نَشِيطًا أبْنَاؤهُ. يُرَاعَى في تذكيرِ النَّعْت السَّبَبِيّ وتأنيثه مَا بَعْدَه، فهي كالفِعل معَ الاسمِ الظَّاهرِ وإنْ كانَ مَنْعُوتُها خِلافَ ذلك تقول: "أثارَتْ عَجْبي عَائِشةُ النَّيِّر عَقْلُها" و "رأيتُ خَالِدًا الثَّابِتَةُ خُطُواتهُ" و "سرَّني القَومُ الكَرِيمُ أبْنَاؤهم" وهكذا. -8 الأنواعُ التي يُنْعَت بها: الأَنْوَاع التي يُنْعَت بها أربعةٌ: (1) المُشْتَق، وهو مَا دَلَّ على حَدَثٍ وصَاحِبهِ كـ "رامٍ، ومَنْصُورٍ، وحَسَنٍ، وأفضل". (2) الجَامِد المُؤَوَّل بالمُشْتَق كاسمِ الإشارة المؤول بالمُشار إليه، او الحاضر وقدَّمنا جَوازَ أن يُنْعَت اسْمُ الإشارة ويُنْعَتَ به و "ذو" بمعنى صاحب، وأسْمَاء النَّسَبِ، لأنَّها مُؤَوَّلةً بمَنْسُوبِ إلى كذا تقول في اسمِ الإشارة: "سَرَّني كِتَابُكَ هذا" وفي "ذي" بمَعنى صَاحِب "صَادَقْتُ رَجُلًا ذا مُرُوءَةٍ". وفي النَّسب "حضرَ رجُلٌ دِمَسْقِيٌّ" لأَنَّ مَعْنَاه الحَاضِرُ أو المُشَارُ إليه، وضاحِب المُروءَة، ومَنْسُوبٌ إلى دِمَشق. وهذه الأنواع المذكورة رُمز إلَيها بالتعريف في أول الكلام على النعت هو التابع المقصود بالاشتقاق وَضْعًا أو تأويلًا. -9 النَّعت بالجُملة: يُنْعتُ بالجملةِ بِشروط: شَرْطٍ بالمَنْعُوتِ أنْ يكونَ نَكِرةً إمّا لَفْظًا ومَعْنىً نحو: {واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فيه إلى الله} (الآية "281" من سورة البقرة "2")أو مَعنىً فَقَطْ وهو المُعَرَّف ظَاهِرًا بألْ الجِنْسِية كقولِ رَجُلٍ من بَني سَلُول: ولقد أمُرُّ على اللَّئيم يَسُبُّني *** فأعِفُّ ثم أقُولُ لا يَعْنيني ويُشْتَرَطُ في الجُملَة التي يُنْعتُ بها: (1) أنْ بكونَ مُشْتمِلةً على ضَمِيرٍ يَرْبِطُها بالمَنْعُوت إمَّا مَلْفوظٍ به كما في الآية السابقة {واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فيه إلى الله} والهاء في "فيه" تعود على المنعوت وهو "يومًا". أو مقدَّر نحو قوله تعالى: {واتَّقُوا يَوْمًا لا تَجزي نَفْسٌ عن نَفْسٍ شَيئًا} (الآية "48" من سورة البقرة "2")، أي لا تَجْزي فيه، وقَد يَنُوبُ "أَل" عن الضمير كقَولِ الشَّنْفَرى: كأنَّ حَفيفَ النَّبْلِ مِن فَوْقِ عَجْسِها *** عَوَازِبُ نحلٍ أَخْطَأَ الغَارَ مُطْنِفُ (حفيف النبل: دَويّ ذهابِ السهام "العَجْس" مَقْبض القوس، وضمير عجسها للقوس، وعوازب: جمع عَازِبة، من عَزَبَتِ الإبل: بعدَت عن المرعى، المُطْنِف: هو الذي يعلو الطنف: وهو مانتأ من الجبل، يُشبِّه دَويَّ السهام بطنِين طائفة من النَحل ضَلَّ دليلُها فلم يَهتد إلى الغار) الأَصلُ: أَخْطَأَ غَارَهَا، فكانَتْ "ألْ" بَدلًا من الضَّمير. (2) أن تكُونَ خَبَرِيَّةً، فلا يَجُوزُ قَولُكَ: "رَأَيْتُ رَجُلًا كلِّمْه" بالأمر، ولا قولك "اشْتَريت فَرَسًَا بِعْتُكَهُ" بقصد إنْشَاءِ البَيع، وقد جاءَ ما ظاهرُه الإنشاء ولكنَّ المَعْنَى خَبَر، كقول العَجَّاج: حتى إذا جَنَّ الظَّلامُ واخْتَلَطْ *** جاؤُوا بمَذْقٍ هَلْ رأيت الذِّئْبَ قَطُّ ولكنَّ المعنى: جاؤوا بلَبَنٍ لَوْنَه كَلَوْنِ الذِّئْبِ. -10 النَّعْتُ بالـمَصْدر: يجوزُ النعتُ بالـمَصْدر بشرط أنْ يكونَ مَصْدَرًا ثُلاثيًا، وأن يكونَ الـمْصَدر الثُّلاثيُّ غير مِيمِيّ، سُمِع من العَرب "هَذا رجلٌ عَدْلٌ" و "رِضًَا " و "زَوْرٌ" و "فِطرٌ" وذلك على التأويل بالـمُشْتَق، أي عَادِلٌ، ومَرْضِيٌّ و زَائِرٌ، ومُفْطِرٌ، أو على تَقدِير مُضَاف، أي ذُو عَدْلٍ، وذو رِضًا -11 تَعَدُّد النُّعُوت: النُّعُوت: (1) إمَّا أن تكونَ لـمَنْعُوتٍ واحدٍ. (2) وإمَّا أنْ تكونَ لـمَنْعُوتين متعدِّدَيْن. (1) فإن كانَتْ النُّعوتُ لـِمَنْعُوتٍ واحدٍ وتَعَيَّن الـمَنْعُوتُ بدونها جازَ إتْبَاعُها وهو الأصل، وذلك كقولِ خِرْنَقَ، أختِ طَرفة: لا يَبْعَدنْ قَوْمي الذِين هُمْ *** سُمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزْرِ الـنَّازِلـُون بكلِّ مُعْتَرِكٍ *** والطَّيِّـبُـونَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ ويَجُوزُ فيه القَطْع نحو: "رَأيْتُ أحْمدَ العَالمُ الأديبُ الشاعرُ" و القَطْعُ: أنْ تُقَدَّر هو أو هُمْ فتقول: الأديبُ أي هو الأديب، وهو الشاعر، ويجوزُ القَطْعُ بالنَّصْبِ بإضْمار "أمْدَحُ أو أذْكُر" كما يجوز اتباعُ بعضِ النُّعوتِ و قَطْعُ بعضها. فإنْ لم يَتَعيَّن أولم يُعرَفْ المنعوتُ إلاَّ لجَميع نُعُوتِه، وجَبَ إتْباعها كلَّهَا، وذلك كقولك: "سمعتُ أخبارَ ابراهيمَ الكاتِبِ الشاعِرِ الخَطيبَ " إذا كانَ المَنْعُوُت إبراهيمُ يُشَاركه في اسمه ثلاثةٌ أحدْهٌمْ كاتِبٌ شَاعِرٌ، و ثانيهم كاتب خَطِيبٌ، وثالِثهُم شاعِرٌ خَطِيبُ، فإنْ تَعَيَّن ببعْضِها جَازَ فيها الأوْجُه الثَّلاثةُ عَدا البَعْضُ. فإنْ كانَ المنعوتُ نكِرَةً تَعَيَّن في الأوَّل الإتْبَاعُ على النعت، وجازَ في الباقِي القَطْعُ، وذلك كقول أبي أُميَّة الهُذْلي يَصِفُ صَائدًا: ويَأْوِي إلى نِسْوةٍ عُطَّلٍ *** شُعْثًَا مَرَاضِيعُ مثلُ السَّعَالِي أي: وأذكُر شُعْثًا. فإنْ كانَ النعت المقطوع لمجرد " المَدْح أو الذَّمِّ أو التَّرَحُم" وجبَ حذفُ المبتدو الفعل، فحذف المبتدأ في قولهم "الحمد لله الحميدُ " بإضمار هو، وفي حذف الفعل، نحو قوله تعالى: {وإمْرَأتُه حَمَّالَة الحَطَبِ} بنَصْب حَمَّالَة بإضمار "أذمُّ" والقِرَاءَة الثَّانية بالضَّم على أنَّها نعْتٌ لامْرَأته، أي حَمَّالةُ. (2) وإذا تَعدَّد النعتُ لِمَنْعُوتَيْن فهو عَلى نَوعَيْن: (أ) أنْ يكونَ المَنْعُوتُ مُثَنّىً أو مَجْمُوعًا من غَيْرِ تَفْريق فإن اتَّحَدَ مَعْنى النَّعْتِ ولَفْظُه استُغْنِي بتثنية النَّعت أوْ جَمْعِه عن تَفْريقه بالعَطْف نحو "جاءَني المجُاَهِدُونَ الشُّجْعَان". وإنْ اخْتَلَفَ مَعْنى النَّعْت ولَفْظُه كعَاقِل وكَرِيم، أو اخْتَلَف لَفْظُه دُونَ مَعْناه كالذَّاهِب والمُنْطَلِق، وجَبَ التَّفْريق فيها بالعَطْف بـ "الواو" كقولِ الشَّاعِر ابنِ مَيَّادَة: بَكَيْتُ ومَا بُكَى رَجُلٍ حزينٍ *** على رَبْعَيْن مَسْلُوبٍ وبَالي (ب) أنْ يكونَ المَنْعُوتُ مُفرَّقًا وتَتَعدَّدُ النُّعوتُ مع اتِّحَادِ لَفْظِها، فإنَّ اتَّحدَ مَعْنى العامِل، ومَعْناه جازَ الإتِّباع مُطْلَقًا نحو "جاءَ عليٌّ وأتى عُمَرُ الحَكِيمان" و "هذَا أَحْمَدُ وذَاك مَحْمُودٌ الأَدِيبَان ". وإنْ اخْتَلَفَ العاملُ وعَمَلُه في المَعْنى والعَمَل أو اخْتَلَفَا في المَعْنى فَقَط، وجَبَ القَطْع - وهو تقديرُ مَبْتَدأ أو فِعْل فمِثَال الأوَّل: "سافَرَ محمدٌ وانتظرتُ حَامِدًا الفَارِسان" ومثالُ الثاني: "جاءَ زيدٌ ومَضَى عمرٌو الفاضلان" أي هما الفاضلان، ومثال الثالث: "هذا يُؤْلم أخاك و يوجِع أبَاك العَاقِلان" أي هُمَا العَاقِلان، ويَجُوزُ في هذه الأمْثلة النَّصْبُ بتقدير فِعل: أمْدَحُ أي أمدحُ الفَارِسيْن والفاضِلَيْن والعَاقِلَيْن -، وتَقَدَّم في هذا البَاب مِنَ كلامِ سيبَويه بَعْضَ هذا. -12 حذفُ مَا عُلِم من نَعتٍ ومَنْعوت: يُحذَف النَّعْتُ بقِلَّةٍ، ويُحذفُ المَنْعُوتُ بكَثْرةٍ جَوَازًا إذا دَلَّتْ قَرِينَةٌ على المَحْذُوف، فَحَذفُ النَّعْت نحو قَولِه تعالى: {يَأْخُذُ كلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًَا} (الآية "79" من سورة الكهف "18") أي كل سَفِينة صَالِحةٍ. وأمّا حَذْف المَنْعوت فمَشْرُوط بأنْ يكونَ النَّعتُ صَالِحًا لِمُباشَرة العَامِل نحو: {أنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} (الآية "11" من سورة سبأ "34") أي دُرُوعًا سَابِغَاتٍ، أو بَأَنْ يكون النَّعتُ بعضَ اسْمٍ مُقَدَّمٍ مَخْفوضٍ بـ "مِنْ" أو "في" كقولهم "مِنَا ظَعَنَ ومِنَّا أَقَامَ" أي مِنَّا فَريقٌ ظَعَنَ، ومنا فرِيقٌ أَقَامَ. -13 ما يُنْعَتُ وما يُنْعَتُ به من الأسماء وما ليس كذلك: مِنَ الأسماء ما يُنْعَتُ ويُنْعَتُ به كاسْمِ الإشارة - وتقدَّمتِ الإشَارَةُ إيه - ولا يُنْعَتُ إلاّ بمصحوب ألْ خاصَّة، فإنْ كانَ جَامِدًا مَحْضًَا نحو: "مَرَرْتُ بهذا الرَّجلِ" فهو عَطْفُ بَيَان على الأصحَّ أي الرجل و إلاّ فهو نَعْتٌ. ومنها: ما لا يُنعتُ ولا ينعتُ به كالضمير مطلقًا. ومنها: ما يُنْعَتُ به ولا يُنْعَتُ كـ "أيّ" نحو "مررتُ بفارسٍ أيّ فارسٍ" (وانظر النعت بالنكرة) (3). -14 النَّعْت بعد المركَّب الإضافي: إذا أرَدْنا أنْ نَنْعَتَ مَركّبًا إضَافيًا فالنعتُ للمضافِ لاللمضافِ إليه لأنَّه المقصودُ بالحُكْم، تقول "جاء عبدُ اللِه النشيطُ" و "رحمَ اللهُ ابنَ عباسٍ بحَرَ العلم" و "أبو خَالدٍ الشُّجاعُ فارسٌ". ولا يكون النَّعْتُ للمضافِ إليه إلاَّ بدليل، لأنَّه يؤتى به لِغَرَض التَّخْصِيص كما لا يكونُ النَّعْتُ إلاَّ للمضافِ إليه بلفظ "كل" إنما أتى بكل لغرض التعميم تقول: "رأيت كل إنسان عاقل يأبى الجهل". -15 فوائد تَتَعَلَّقُ بالنَّعْت: (1) إذا تقدَّم على النَّعْت على المَنْعُوت، كانَ المَنْعوت بَدَلًا من النَّعت نحو قوله سُبحانه: {إلى صِرَاطِ العزيزِ الحميد اللهِ} (الآية "1 - 2" من سورة إبراهيم "14"). وأول الآية: {الر كِتابٌ أَنْزَلناهُ إليك لتُخْرج النَاسَ من الظلمات إلى النُّور بإذنِ ربهم إلى صراطِ العزيزِ الحميدِ اللهِ الذي لهُ ما في السموات وما في الأرض} فلَفْظُ الجَلاَلةِ بَدلٌ مِنَ العَزِيز الحَمِيد. وبهذا يَخرُج من باب النعت. (2) إذا جاءَ النَّعْت مُفْردًا وظَرْفًا وجُمْلَةً فالغَالِبُ تَأْخِيُر الجُمْلَة نحو: {وقَالَ رجلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَون يَكْتُم إيمانَه} ويقلُّ تقديم الجملةِ نحو: {فسَوْفَ يأتي اللهُ بقومٍ يُحِبُهُم ويُحِبُّونَه أَذِلَّةٍ على المؤمنين أعِزَّةٍ على الكافرين}. (3) قد يَلي النَّعْتَ "لا" أوْ "أما" فَيجبُ عِنْدَئذٍ تَكرُّارُهُما مَقْرُونَةً بواوِ العَطْف نحو" اشْتَرَيْتُ صُوفًا لا جَيِّدًا ولا رَدِيئًا " ونحو "أَعْطِنى قُطْنًا إمَّا مِصْريًا وإمَّا سُورِيًّا". (4) يجَوزُ عَطْف بَعْضِ النُّعُوت المُخْتَلِفة المَعَاني على بَعْضِ نحو: "لَبسْتُ ثَوبًا جَمِيلًا ومَتِيَن الصُّنْعِ". نِعْمَ وبِئْسَ وَمَا في مَعْنَاهُمَا: -1 تعريفُهما: هي أفعالٌ لإنْشَاءِ المَدْحِ و الذَّمِّ على سَبيلِ المُبَالَغَةِ. (يتبع...) (تابع... 2): النَّعتُ:...... -2 فاعِلُهما: فَاعِلُهما نَوْعان: (أحدُهُما) اسْمٌ ظَاهِرٌ مُعَرَّفٌ بـ "أَلْ" الجِنْسِيَّة نحو: {نِعْمَ العَبْدُ} (الآية "44" من سورة ص "38") و{بئْسَ الشَّرابُ} (الآية "29" من سورة الكهف "18") أو مُعَرَّفٌ بالإضَافَةِ إلى مَا قَارَنَها نحو: {وَلَنِعْمَ دَارُ المُتَّقِينَ} (الآية "30" من سورة النحل "16") {فَلَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِّرينِ} (الآية "29" من سورة النحل "16") أو بالإضَافةِ إلى المُضَافِ لِمَا قَارَنَها كقولِ أبي طالب: فنِعمَ ابنُ أخْتِ القَوْمِ غيرَ مكذَّبِ *** زُهَيرٌ حُسَامٌ مُفْردٌ من حَمَائِل (الثاني) ضَميرٌ مُسْتَترٌ وُجُوبًا مُمَيَّزٌ إمَّا بلفظ "مَا" بمعنى شيءٍ ("ما" الواقعة بعد "نعم" على ثلاثة أقسام: "أ" مُفَردة أي غيرُ مَتْلُوَّةٍ بشىء، نحو دققتُه دَقًَّا نِعمًَّا، وهي مَعْرِفةٌ تامةٌ فَاعِل، والمَخْصُوص مَحْذُوف، أي نِعْم الشيءُ الدَّقُّ. "ب" مَتْلُوَّة بمفْرد نحو "فَنِعمَّا هِي" و "بِئْسَما تَزْوِيجٌ ولا مَهْر" وهي مَعْرفة تامَّة فاعل، ومَا بعدَهَا هو المَخْصُوصُ، أي نعم الشيءُ هو، وبئس هذا الشيءُ تزويجٌ ولا مَهْر. "ج" متلوة بجملة فعلية نحو (نِعْمَّا يعظكم به) و (بئسما اشْتروا به أنفسهم) فـ "ما" نكِرة في مَوضِع نصب على التَّمْييز مَوْصُوفة بالفِعل بعدَها، والمخصوصُ مَحْذوف أي نِعْم شيئًا يَعِظكم به ذلك القول)، أو "مَنْ" بمعنى شخص، نحو: {فَنِعِمَّا هي} (الآية "271" من سورة البقرة "2") أي نعم شيئًا هي، وقوله "ونِعْمَ مَنْ هُوَ في سِرٍّ و إعْلانِ" أي شخصًا. وإمَّا مُمَيَّزٌ بنكرةٍ عَامَّةٍ واجِبَةِ الذِّكْرِ و التَّأخيِر عن الفعلِ، و التَّقَدُّيِم على المَخْصُوصِ، قَابلةٍ لـ "أل" مُطَابِقَةٍ للمَخْصُوص نحو "نعمَ رَجُلًا عَلِىٌّ" "نِعْمَ امْرَأَتَيْن الهِنْدان" ومنه قول زهير: نِعْمَ امْرًا هَرِمٌ لم تَعْرُ نَائِبَةٌ *** إلاَّ وكانَ لمُرْتَاعِ بها وَزَرا وقول الشاعر: نِعْمَ امْرَأَيْنِ حَاتِمٌ وكَعْبُ *** كِلاَهُمَا غَيْثٌ وسَيْفٌ غَضْبُ وإذا كانَ فاعلُ هذا البابِ اسْمًا ظَاهِرًا فلا يُؤْتى بالتَّمييز غَالبًا لأنَّهُ لِرَفْعِ الإبْهَامِ، ولا إبْهَامَ مَع الظاهر، وقدْ يُؤْتَى به لِمُجَرَّدِ التَّوكيدِ كقولِهِ: نِعْمَ الفَتَاةُ فَتَاةً هندُ لَوْ بَذَلَتْ *** رَدَّ التَّحِيَّةِ نُطْقًا أو بايماءِ فَقَدْ جَاء التَّمييز حَيث لا إبْهامَ لِمُجَرَّدِ التَّوكيدِ كما جاءَ في غيرِ هذا البَابِ كقولِ أبي طالب: ولَقَدْ عَلِمتُ بأنَّ دينَ محمَّدٍ *** مِنْ َخيِر أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينا -3 المَخْصُوص بالذَّمِّ و المَدْحِ: يُذْكَرُ المَخْصُوصُ المَقْصُودُ بالمَدْحِ أو الذَّمِّ بعدَ فَاعِل "نِعْمَ وبِئس" فيقال "نِعْمَ الخَلِيفَةُ عُثْمانُ" و "بِئْسَ الرَّجلُ أبُو جَهْلٍ" وهذا المَخْصُوصُ مُبْتَدَأ، و الجملةُ قَبْلَهُ خَبَرٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأ واجِبِ الحَذْفِ، أي المَمْدُوحُ: عُثْمانُ، والمَذْمُومُ: أبُو جهل. وقد يَتَقَدَّمُ المخصُوصُ على الفعلِ فيَتَعيَّنُ كونُه مُبْتَدأ، وما بعدَه خبر نحو "العِلْمُ نِعْمَ الذُّخْرُ". وقد يحذفُ إذا دَلَّ عليه دَليلٌ مِمَّا تقَدَّمَهُ نحو: {إنَّا وَجَدْنَاهُ صابرًا نِعْمَ العَبْدُ} (الآية "44" من سورة ص "38") أي أَيُّوب. وجوازِ حذفِ المخصُوص أو تقديمُه إنما هُو في مَخْصُوصِ الفَاعِلِ الظَّاهر، دُون مَخْصُوصِ الضَّمير. -4 يُسْتَعْمَلُ وَزْن "فَعُل" استِعْمَالَ "نِعْمَ وبِئْسَ": كلُّ فِعْلٍ ثُلاثِيّ صالحٍ للتَّعَجُّبِ منه (أي يستوفي شروطه المذكورة في التعجب) يجوزُ استِعْمَالُه على "فَعُل" بضم العين، إمَّا بالأَصالَةِ: كـ "ظَرُفَ وشَرُفَ" أو بالتَّحويلِ كـ "فَهُمَ" و "ضَرُبَ" لإفَادَةِ الَمْدحِ أو الذَّمِّ، فيَجْري حينئذٍ مجرى "نِعْمَ وبِئس" في حُكمِ الفاعِلِ و المَخْصُوص، تقولُ في المَدْحِ "فَهُم الرجلُ عليٌّ" وفي الذَّمِّ "خَبُثَ الرجلُ عَمرٌو" فإن كانَ الفعل مُعْتَلَّ العين بَقِيَتْ على قَلْبِها أَلِفًَا مع تَقْدِير تحويله إلى"فُعُل" بالضم نحو "نال الرَّجُلُ عليٌّ"، {سَاءَتْ مُرْتَفَقًا} (الآية "29" من سورة الكهف "18") أي ما أَقْوَلَه وما أَسْوَأَهَا أي النّار. وإنْ كانَ مُعْتَلَّ الاَّم رُدَّتِ الوَاوُ إلى أصْلِها إنْ كانَ واوِيًا، وقُلِبَتِ الباءُ وَاوًَا إنْ كانَ يَائيًَّا فَتقولُ في غَزَا ورَمَى: غَزَوا ورَمَوا. وهذه الأفعال المُحَوَّلةُ تُخَالِفُ نِعْمَ وبِئس في سِتَّة أشْياء: اثْنَانِ في مَعْناها: وهُمَا إفَادَتُها التَّعَجُّبَ، وكَوْنُها للمدحِ الخَاصّ واثْنَان في فَاعِلِها المُضْمَر، وهما جَوازُ عَوْدِه، ومُطَابَقَتُهُ لِمَا قَبْلَه، بخلافِ "نِعْمَ" فإنَّه يَتَعَيَّنُ في فَاعِلها المُضْمَر عَوْدُه على التَّمْيِيز بَعْدَه، ولُزُومُهُ حَالةً وَاحِدةً، فنَحو "محمَّدُ كَرُمَ رَجُلًا" يجوزُ فيه عودُ ضمير"كَرُمَ" إلى محمَّدٍ، وإلى رَجُلٍ، فعلى الأوَّل تقولُ: "المحمَّدُونَ كَرُمُوا رِجَالًا "، وعلى الثّاني "المحمَّدُونَ كَرُمَ رِجَالًا " واثنانِ في فَاعِلها الظَّاهر، وهما جَواز خُلُوِّه من "ألْ" نحو: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقا} (الآية "69" من سورة النساء "4") وكَثْرَةُ جَرِّهِ بالباءِ الزّائِدَةِ، تَشْبِيهًا بـ "أَسْمِع بهم" نحو: حَبَّ بالزَّوْرِ الذِي لا يُرى *** مِنْهُ إلاَّ صَفْحَةٌ أو لِمَامُ (الزَّور: الزائر، ويكون للواحد والجمع مذكرًا أو مؤنثًا وصفحة: جانب، واللِّمَامُ: جمع لِمَّة، وهو الشعر يجاوز شحمة الأذن، المعنى: ما أجمل الزائرسَرِيع الترحُّل) نَعَمْ: حَرْفُ جَوابٍ للتَّصْديقِ، والوَعْد، والإِعْلام. فالأول: بعد الخبر كـ "قَدِمَ خالدٌ" أو "لم يأتِ عليٌّ". والثاني: بعد "افْعَلُ" و "لا تَفْعَلْ" وما في مَعْناهما نحو "هلاَّ تَفْعَلُ "و "هلا لم تفعل". والثالث: بعدَ الاسْتِفْهام في نحو: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًَّا قالوا: نَعَمْ} (الآية "44" من سورة الأعراف "7"). نعِمّا هِي: (=نعم وبئس وما في معناهما 3). نَفْيُ الفِعْل: إذا قال: فَعَلَ. فإن نَفْيَه لم يَفْعَلْ، وإذا قال: قَدْ فَعَلَ فإنَّ نَفْيَه لَمَّا يَفْعَلْ. وإذا قال: لقَد فَعَل فإن نَفْيَه ما فَعَلَ. لأنَّه كأنه قال: واللِه لقَدْ فَعَلَ فقال: والله ما فَعَلَ. وإذا قال: هو يَفْعَلُ، أي هو في حالِ فِعْل، فإنَّ نَفْيَه ما يَفْعَلُ. وإذا قال: هو يَفْعَلُ ولم يَكنِ الفعلُ واقعًا فنفيُه: لا يفعلُ. وإذا قال: لَيَفْعَلنَّ فنَفْيُه لا يَفْعَلُ، كأنه قال: والله لَيَفْعَلَنّ، فَقلت: والله لا يَفْعَلُ. وإذا قال: سوفَ يَفعَلُ فإن نفيَه لن يَفْعَلَ. النَّقْلُ: [1] تَعْرِيفُه وشُروطُه: هو نَقْلُ حَرَكَةِ الحَرْفِ المُتَحَرِّكِ المُعْتَلِّ إلى السَّاكنِ الصحيحِ قَبْلَه، ويَبْقَى الحَرْفُ المُعْتَلُ إنْ جَانَسَ الحَركَة المَنْقُولَة نحو "يَقُولُ" و "يبِيْعُ". أصلُهما: "يَقْوُل "مثل يَقْتُل، و "يبِيْعُ" كـ "يَضْرِبُ " وإن لم يُجَانِس الَحْرُف المُعْتَلُّ الحرَكَةَ يُقلَب الحرفُ بِما يُناسبُ الحرَكة قَبْلَه نحو "يَخَافُ" أصلُهما "يَخْوَفُ" كيَذْهَبُ، نُقِلَتْ حَرَكَةُ الوَاوِ إلى الخَاءِ ثم قُلبت الواوُ ألِفًا لِتُنَاسِبَ الفَتْحَةَ فَصَارتْ: "يَخَافُ" وكَذلِكَ "يُخِيفُ" أصلُها "يُخوِف"كيُكْرِمُ. ويَمْتَنِع النقلُ إن كانَ السَّاكنُ مُعْتَلًا كـ: "بَايَعَ" و "عَوَّقَ" و "أبْيِنْ بهِ" أوكانَ مُضَعَّفًَا نحو "أبْيَضَّ" و "اسْوَدَّ" أومُعْتَلَّ اللاَّم نحو "أحْوَى" و "أهْوَى" لئلا يَتَوالى إعْلاَلاَن. [2] مسائله: يَنْحَصرُ النَّقْلُ في أرْبَعِ مَسَائلَ: (الأولى) الفِعْلُ المُعْتَلُ عَيْنًَا: كـ "يَقُوم" و "يبِيعُ". (الثانية) الاسْمُ المُشَبِهُ للمُضارِع في وَزْنِهِ دُونَ زِيادَتِه، بشَرْطِ أنْ تَكونَ فيه عَلاَمَةُ تَدُلُ على أنَّه من الأَسْماءِ كـ "مَقَامٍ" و "مَعَاشٍ" أصْلُهما "مَقْوَمٌ" و "معْيَشٌ" على زِنَةِ مَذْهَبٍ، فنقلوا في "مَقْوَم" حركةَ الواوِ إلى القَافِ السَّاكنةِ و قُلِبَتِ الوَاوُ ألِفًا لِتُنَاسِبَ الفتحة قَبْلَها فَصَارتْ "مَقَام" وهكذا "مَعْيَش" نَقلوا فيها حركة الياء وهي الفتحة إلى العين وقُلِبَتِ الياءُ ألفًا لِتُنَاسِبَ الفتحة، فصارت مَعَاشًا أو في زيادته دون وزنه كأَنْ تُبْنَى من كَلِمَتَيْ "البَيْع" أو "القَوْل" على مِثال "يَعلِىءٍ" (وهو القشر الذي على الجلد من منبت الشعر) فإنك تقول بعد الإِعلال" تَبيع" وأصله "تَبِيعِ" نُقِلَتِ كَسْرَةُ الياءِ إلى الباء المُوَحَّدة؛ فإن أَشْبَهَهُ في الوَزنِ و الزيادةِ مَعًا، أوبَايَنَهُ فِيهمَا مَعًا وجَبَ التَّصحيح لِيمتَازَ عن الفِعْل، فالأول نحو "أبْيَضَ وأَسْوَد" فإنَّهما أَشْبَها فِعْل "أَكْرَمَ" في الوَزِنِ وزيادَةِ الهَمِزَة. وأمَّا نحو "يَزيد" عَلمًا فمَنْقُولٌ إلى العَلَمِيَّة بعد أنْ أُعِلَّ حيَن كانَ فِعْلًا. والثاني: وهو المُبَايَنُ في الوَْزِن و الزِّيَادَةَ مَعًا: نحو: "مِخْيَط" بكَسْرِ المِيم، فإنه مُبَايِنٌ للفِعْلِ في كَسْرِ أوَّلِهِ وزِيَادَة المِيم، ومثلُه "مِفْعَال" كـ "مِسْوَاك" و "مكْيَال" و "مقْوال" و "مِخَيَاط". (الثالثة) المَصْدَر المُوَازِنُ: لـ "إفْعَال" نحو "إِقْوام" و "اسْتِفْعال" نحو "اسْتِقوَام" فإنَّه"يُحْمَل على فِعلِه في الإِعْلال فتُنْقَلُ حَرَكَةُ عَيْنِه إلى فَائِه ثمَّ تُقْلَبُ أَلِفًا لِتَجَانُسِ الفَتْحَةِ فَيَلْتَقِي أَلِفَان، و يَجِبُ بعدَ القَلْبِ حَذْفُ إحْدَى الألِفَيْن لالْتِقَاءِ السَّاكنين، و الصحيحُ أنَّ المَحْذُوف الأَلِفُ الثَّانِية، لزيَادتِها و قُرْبِها من الطَّرَفِ، ثمَّ يُؤْتى بالتاء عِوَضًا من الأَلِفِ المحذُوفَةِ فيقال " إقَامَةٌ" و اسْتِقَامَةٌ" وقد تُحذَف التاءُ فُيقتصر فيه على ما سُمِع كقول بعضهم "أجَاَبَهُ إجَابًا" و "أرَاه إرَاءً" ويَكثرُ ذلكَ مع الإضافة نحو: {وإقامِ الصلاة}. وجاءَ تَصْحيحُ "إفعال" و "اسْتِفْعال" وفُروعِها في الألفِ نحو: "أَعْوَلَ إعْوالًا" و "أغْيَمَتِ السَماءُ إغْيَامًا" و "اسْتَحْوَذَ اسْتِحْوَاذا" و "اسْتُغِيْلَ الصبيُّ اسْتِيْغالًا" وهذا كلُّه شاذ. (الرابعة) صِيغةُ مَفْعولٍ، ويجبُ بعدَ النَّقل في ذَواتِ الواو حَذْفُ إحْدَى الوَاوَين، والصحيح حَذْفُ الثَّانِية، وفي ذَوَاتِ اليَاءِ حَذْفُ الواوِ وقَلْبُ الضمةِ كَسْرةً لِئلا تَنْقَلِبُ اليَاءُ وَاوًا فَتَلْتَبِسُ ذَوَاتُ الواوِ بذاتِ الياء، فمِثَال الوَاوِي "مَقُولٌ" و "مَصُوغٌ" والأَصْل "مَقْوُول" و "مَصْوُوغٌ" بوَاوَين، الأولى عَينُ الكَلمِة، والثَّانِيَة وَاوُ مَفْعُول نُقِلَتْ حَرَكةُ العَيْنِ - وهي الوَاو - إلى مَا قَبْلَها فالتَقَى سَاكِنَان وهما الوَاوَين، حُذِفَتْ "وَاوُ" مَفعول وهي الثانية فصارَ"مَقُول" و "مَصُوغ" ومثال اليَائي "مَبِيع" و " مَدِين" أصْلُهما: مَبْيوع، ومَدْيُون نُقِلَتْ حركةُ العين - وهي الياء - إلى ما قَبْلَها فالتَقَى سَاكِنان فحُذِفَت "وَاوُ" مَفْعُول ثم كُسِر ما قَبلَ الياءِ لِئلاَ ينْقلَبَ وَاوًا. وبَنُو تَميمٍ تُصحِّح اليائيَّ فيقولون "مَبْيُوع" و "مَخْيُوط" و "مَصْيُود" و "مَكْيُول" وذلكَ مُطَّرِدُ عِندهم، قال العَبَّاسُ بنُ مِرْدَاس: قد كَانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَك سَيِّدًا *** وإخَالُ أنَّك سَيِّدٌ مَعْيُونُ وكَانَ القِياس أن يَقُول "مَعِين". النَّكِرَة والمُعْرفة: [1] الاسمُ ضَربَان: نَكِرَةٌ، - وهي الأصْلُ - ومَعْرِفْةَ (=المعرفة). [2] تعريفُ النَّكِرَة: النَّكِرَةٌ: هي مَا لا يُفْهمُ مِنَهُ مُعَيَّن كـ "إنْسَان وقَلَم". -3 اشْتِرَاكُ المَعْرِفَة والنكرة: كأنْ تَقُول "هذا رجلٌ وعبدُ الله مُنْطَلِقٌ" إذا جَعَلْتَ" مُنْطَلقُ" صفةً لِرَجلٍ، فإن جَعَلْتَه لعبدِ الله، قلت: "هذا رجلٌ وعبدُ اللِه مُنْطَلِقًا" كأنك قلت: "هذَا رجلٌ وهذا عبد اللِه مُنْطَلِقًا" فإن جَعَلْتَ الشَّئْ لَهُمَا جَمِيْعًا قلت " هَذَا رَجُلٌ وعَبْدُ الله مُنْطَلِقِيْن" تَجْعَل الحَالَ للاثْنَيْنِ تَغْلِيبًا للمَعْرِفَةِ على النَّكِرة. -4 النَّكِرَة نوعان: (1) ما يقْبَلُ "أل" المُفِيْدَةُ للتَّعْرِيفِ كـ "رجلُ وفَرَس وكِتاب". (2) ما يَقَعُ مَوْقِعَ ما يَقْبَلُ "أل" المُؤَثِّرَةُ للتَعْرِيف نحو "ذي" بِمَعْنَى صَاحِب، و "منْ" بِمعنى إنْسَان، و "ما" بمعْنى شَيء، في قولك " اشكُرْ لِذِي مالٍ عَطَاءَهُ" "لا يَسُرُّني مَنْ مُعْجَبٍ بِنَفْسِه" و "نَظَرْتُ إلى مَا مُعْجَبٍ لك" "فذُو ومَنْ ومَا" نَكِراتٌ، وهي لا تَقْبَلُ "ألْ" ولكِنَّها واقعةٌ مَوْقِعَ مَا يَقْبَلُهَا، "فَذُو" واقعةٌ مَوْقِعَ "صاحِبِ" وهو يَقْبَل أل و "منْ" نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ "إنْسَان" وإنسانٌ يَقْبَل أل و "ما" نَكِرَة موصوفةٌ أيضًا، واقعةٌ مَوْقِعَ "شَيء" وشَيء يَقْبَل أل، وكذا اسمُ الفِعْل نحو "صهٍ" مُنَونًَا، فإنَّهُ يَحِلُ مَحَلَّ قَولِكَ "سُكُوتًا" تَدْخُل عليه أل. -3 النَكِرَة بَعْضِهَا أَعْرفُ من بعض: فَأعَمُّها: الشيء، وأخصُّ منه الجِسْم، وأخصُّ من الجِسْم الحَيَوان، والإنسان أخصُّ من الحَيَوان، والرَّجل أخصُّ من الإنْسان، ورَجُلٌ ظَرِيفٌ أخصُّ من رَجُل. نَوَاسِخُ المُبتدأ والخَبر: -1 أقسامُها: النواسخُ ثلاثةُ أقسام: (أ) أفْعَال تَرْفَعُ المُبْتَدأ وتَنْصِبُ الخَبَر، وهي "كانَ وأَخَواتُها، وأفْعَالُ المقاربة". (ب) أَفْعَالٌ تَنْصِبُ الجزأين على أنَّهُما مَفْعُولان لها وهي: "ظَنَّ وأَخَواتها". (جـ) حُرُوفٌ تَنْصِبُ أوَّلَهما وتَرْفَعُ ثانيهما وهي "إنَّ وأخواتها". (=كلًا في بابه). نَوَاصِبُ المُضارع: يَنْصِبُ المُضارِعَ إذا تقدَّمه أحَدُ النَّواصِبِ الأَرْبَعَةِ وهي "أَنْ، لَنْ، كَيْ، إذَنْ". (=في أحرفها). نَوْمَان: يُقال يا نَوْمَانُ: لكثيرِ النَّومِ، ولا تقُلْ: رجل نَومَان، لأنَّهُ يختصُّ بالنِّداء. نُونَا التَّوْكِيد: -1 نُونَا التَّوكيد: هُمَا"نُونُ التَّوكيدِ" الثَّقِيلةُ، و "نونُ التَّوكيدِ" الخَفِيفَة وقد اجتَمَعا في قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ ولَيَكُونًا} (الآية "32" من سورة يوسف "12") (يتبع...) (تابع... 3): النَّعتُ:...... -2 مَا يُؤَكَّدَانِ من الَأفْعَالِ وما لاَ يُؤَكَّدان: يؤكِّدانِ الأَمْرَ مُطلَقًا نحو: "أَكْرِمَنَّ جَارَكَ" ومِثْلُهُ الدُّعاءُ كقوله: "فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا "، ولا يُؤَكِّدَان المَاضِيَ مُطْلَقًا (لأنهما يخلصان مدخولهما للاستقبال، وذلك ينافي الماضي)، أمَّا المُضارعُ فَلَهُ بالنسبةِ لتَوكِيديهما ستُ حالات: (الأولى) أنْ يكونَ توكيدُهُ بهما واجِبًَا، وذلك: إذا كانَ مُثْبَتًَا مُسْتَقْبلًا، جَوابًا لِقَسَمٍ غيرِ مَفْصُول مِن لاَمِهِ بفاصل، نحو "وَاللهِ لأُجَهِدَنَّ غَدًا ". (الثانية) أنْ يَكُونَ توكيدُهُ بهما قَرِيبًا من الوَاجبِ، وذَلِكَ إذا كانَ شَرْطًا لـ "إنْ "المُؤَكدَة بـ "مَا" الزَّائدة، نحو: {وإمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خيَانَةً} (الآية "58"من سورة الأنفال "8")، {فإمَّا نَذْهَبنَّ بِكَ} (الآية "41" من سورة الزخرف"43")، {فإمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا} (الآية "26" من سورة مريم "19"). وتَرْكُ التَّوْكِيدِ - في هذه الحالة - قليلٌ في النَّثْر، وورَدَ في الشعر كقوله: يا صَاحِ إمَّا تَجِدنِّي غيرَ ذِي جِدَةٍ *** فَمَا التَّخَلِّي عن الخِلاَّنِ من شِيَمِي (الثالثة) أنْ يكونَ تَوكِيدُهُ بهما كثيرًا، وذلك إذا وَقَعَ بَعْدَ أدَاةِ طَلَبٍ: نَهْيٍ، أوْ دُعَاءٍ أو عَرْضٍ أوتَمَنٍّ، أو اسْتِفْهامٍ، فالأوَّلُ: كقَولِه تعالى: {ولاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالمُونَ} (الآية "42" من سورة إبراهيم "14")، والثاني: كقَولِ الخِرْنقِ بنت هَفَّان: لا يَبْعُدَن قَوْمي الَّذينَ هُمُ *** سُمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ والثالث: كقولِ الشَّاعرِ يُخَاطِبُ امرأةً: هَلاَّ تَمُنَنَّ بوَعْدٍ غَيرَ مُخْلِفَةٍ *** كمَا عَهِدتُك في أيَّام ذِي سَلَمِ (أصلعا"تمنينن" بنون التوكيد الخفيفة، حذفت نون الرفع لتوالي النونان حملًا على حذفها مع الثقيلة، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين) والرَّابعُ: كَقول آخرَ يُخَاطِبُ امْرَأَةً: فَلَيْتَك يَوْمَ المُلْتَقَى تَرَينَّني *** لِكَيْ تَعْلَمي أنِّي امْرُؤٌ بكِ هَائِمُ والخَامِس: نحو قولِه: "أَفَبَعَدَ كِنْدَةَ تَمْدِحنَّ قَبيلا" (الرابعة) أنْ يَكُونَ توكيدُهُ بهما قليلًا، وذلكَ بَعْدَ "لا النَّافِية " أو "ما" الزَّائِدةِ التي لم تُسْبَقُ بـ "إن" الشَّرطية، فالأول كقوله تعالى: {واتَّقُوا فِتْنَةً لاَتُصِيبَنَّ الَّذِيْنَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الآية "25" من سورة الأنفال "8") فأكَّدَ الفِعْلُ بعدَ "لا" النَّافِيَةِ تَشْبِيهًا لها بالنَّاهيةِ صُورةٌ، والثَّاني كقوله: إذا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ سُرِقَ ابنُه *** ومِنْ عِضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شَكيُرها (العِضة: شجرة، وشكريها: ما ينبت في أصلها من الفروع والشطر الثاني: مثل يضرب لمن نشأ كأصله. المعنى: إذا مات الأب أشبه ابنه في جميع صفاته، فمن رأى هذا، فكأنه مسروق) وقولِ حَاتم الطَّائي: قَلِيلًابه ما يَحْمَدُنَّكَ وارِثٌ *** إذا نَالَ ممَّا كُنتَ تَجمعُ مَغْمَا (الخامسة) أنْ يكونَ التوكيدُ بهما أقلَّ، وذلك بعدَ "لمْ" وبعدَ"أداةِ جَزاءٍ" غيرِ "أما" فالأوَّلُ كقول أبي حَيَّان الفَقْعَسي يَصفُ وَطْبَ لَبَنْ: يَحْسَبُه الجَاهِلُ مَالمْ يَعْلَمَا *** شَيْخًا على كرْسِيِّهِ مُعَمَّما أرَادَ الذِي لم "يَعْلَمَنْ" بنون التوكيد الخَفِيفة المَقْلُوبَةِ في الوَقْف أَلِفًا، والثاني كقوله: مَنْ تَثْقَفَنْ مِنْهمْ فليس بآئِبٍ *** أَبدًَا وقَتْلُ بَني قُتَيْبَةَ شَافي وتوكيدُ الشَرطِ بهما كَثير، أمَّا الجَوابُ فَقَدْ تَوَكَّدَ بهما عَلى قِلَّةٍ كقولِ الكُمَيْت بنِ ثَعْلَبَةَ الفَقْعَسي: فَمَهْمَا تَشَأْمِنْهُ فَزَارَةُ تُعطِكم *** ومَهْمَا تَشَأمِنْهُ فزَارَةُ تَمْنَعَا (الضمير في "منه" يعود إلى العقل وهو الدية) أي: تَمْنَعَنْ، ولا يؤكَّدَ بإحدى النُّونَين في غير ذلك إلاَّ ضرورُةً كقول الشاعر وهو خُذَيمَة الأبرش: رُبمَّا أُوْفَيتُ في عَلَمٍ *** تَرْفَعَنْ ثَوْبي شَمَالاَتُ (أوفيت: نزلت، العلم: الجبل، وشمالات: ريح الشمال) (السادسة) امْتنِاع توكيدِه بهما، إذاكان مَنْفيًّا لفظًا أو تَقْديرًا نحو "واللهِ لا أَقُومُ" {تَاللهِ تَفْتَأُ تذْكُرُ يُوسُفَ} (الآية "85" من سورة يوسف "12")، أو كانَ المُضارعُ للحالِ كقراءةِ ابن كثير {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ} (الآية "1" من سورة القيامة "75"). وقولِ الشَّاعرِ: يَمِينًا لأُبْغِضُ كلُ امرِئٍ *** يُزَخْرفُ قَوْلًا ولا يَفْعَلُ أو كانَ مَفْصُولًا مِنَ اللامِ بِمَعْمُولِه نحو: {ولَئِنْ مُتُّم أو قُتِلْتُمْ لإَلِى اللهِ تحُشَرون} (الآية "158" من سورة آل عمران "3"). أو بحرفِ تَنْفِيس نحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيْكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (الآية "5" من سورة الضحى "93"). -3 حُكمُ آخِرِ الفِعلِ المُؤَكَّد بهما: إذا أُكِّدَ الفِعلُ بأحدِ النُّوَْينِ، فإنْ كَانَ مُسْنَدًا إلى اسمٍ ظَاهِرٍ أو إلى ضَمِير الوَاحدِ المُذَكَّرِ، فُِحَ آخرُه لِمُباشَرةِ النُونِ لَه، ولم يُحْذَفْ منه شَيءٌ سَواءٌ أكَانَ صَحِيحًَا أمْ مُعْتَلًا نحو: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الآية "40" من سورة الحج "22") و "ليخْشَيَنَّ وليَدْعُونَّ ولَيَرْمِيَنَّ" بردِّ لامِ الفِعلِ إلى أصْلِها المُعْتَلّ، وكذلكَ الحُكْمُ في المُسْنَد إلى ألِفِ الاثْنَيْنِ، غيرَ أنَّ نُونَ الرَّفع تُحْذَفُ للجازم أو للنَّاصِبِ وإذا كان مرفُوعًا تحُذف لِتَوالي الأمْثَال، وتُكْسَرُ نُونُ التَّوكيدِ تَشبيهًا بنونِ الرَّفعِ، نحو "لتُنْصَرْانِّ ولَتَدعُوانِّ ولَتَسْعَيانِّ ولَتَرِمِيانِّ". وإذا أُسْنِد الفِعْلُ المُؤَكدُ لِنُونِ الإِنَاثِ زيدَ "أَلِفٌ" بَينَهُما وبينَ نونِ التَّوكيد نحو "لتَنْصُرْنَانِّ يا نِسْوَةُ" و "لَتَرْمِينَانِّ ولَتَسْعَينَانِّ" بكسر "نُونِ التَّوكيد" فِيها لِوُقُوعِها بَعْدَ الألِفِ. وإذا أُسْنِدَ الفِعْلُ المُؤَكَّدُ إلى "وَاوِ الجَمَاعَةِ" أو "يَاءِ المُخَاطَبَةِ" فإمَّا أنْ يكونَ صَحِيحًا أو مُعْتَلًا. فإنْ كانَ صَحِيحًا حُذِفَتْ "وَاوُ الجماعةِ" أو "ياءُ المخاطَبَةِ" لالتقاءِ السَّاكِنين، نحو "لتَنْصُرُنَّ ياقَوْمُ" و "لَتَجلِسِنَّ يا هِنْدُ". وإنْ كانَ نَاقصًا، وكانتْ عَيْنُ المُضَارِعِ مَضمُومَةً أو مَكْسُورَةً حُذِفَتْ لاَمُ الفِعْلِ زِيَادةًِ على ما تَقَدَّم، وحُرِكَ مَا قَبلَ النُّونِ بِحَرَكَةٍ تَدُلُّ على المَحْذُوف نحو "لَتَرْمُنَّ يا قَوْمُ" و "لَتَدْعُنَّ" و "لَتَرمِنَّ يا دَعْدُ" و "لَتَدْعِنَّ". أمَّا إذا كانَتْ عَيْنُهُ مَفْتُوحةً فَتُحْذَفُ لامُ الفِعلِ فَقط، ويبقى ما قَبْلَها مَفْتُوحًَا، وتُحَرَّكُ "واوُ الجماعَة" بالضَّمَّةِ، و "ياءُ المُخاطبَةِ" بالكَسْرة نحو "لَتُبْلَوُنَّ" و "لَتَسْعُونَّ" و "لَتُبْلَيِنَّ" و "لتَسْعَيِنَّ". والأمرُ كالمُضارعِ في جَمِيع ما تَقَدَّمَ، نحو "انصُرنَّ يا محمَّدُ" و "ادعُوَنَّ" و "اسْعَيَنَّ" ونحو "انصرانِّ يا محمَّدان" و "ارْمِيَانِّ" و "ادْعُوانِّ" و "اسْعَيانِّ" ونحو "انصُرُنَّ يا قَوْمُ" و "ارْمُنَّ" و "ادْعُنَّ" ونحو "اخْشَوُنَّ" و "اسْعَوُنَّ". وهذهِ الأحكامُ عامَّةٌ في الخَفِيفَةِ والثَّقيلَةِ. -4 تنفردُ الخَفِيفَةُ عن الثقيلَةِ بأحكامٍ أرْبَعَةٍ: (أحدُها) أنَّها لا تقعُ بعد "الألِفِ الفَارِقَةِ" بينها وبينَ نُونِ الإناثِ لالَتِقَاءِ السَّاكِنين على غَيرِ حَدِّه، فلا تَقولُ "اسْعَيْنَانْ". أمَّا الثقيلة فتقع بعد الألفِ اتِّفَاقًا. (الثاني) أنها لا تقَعُ بعد "الِفِ الاثنين" لالْتِقَاءِ السَّاكِنَين أيضًا. (الثالث) أنها تُحذَفُ إذا وَليها ساكنٌ كقولِ الأضبطِ بنِ قُرَيع: لاَتُهِينَ الفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ *** تَرْكَعَ يَوْمًَا والدَّهرُ قَدْ رَفَعه (الرابع) أنَّها تُعْطَى في الوَقْفِ حُكْمَ التَّنْوين، فإنْ وَقَعَتْ بعد فتحة قُلِبَتْ ألفًا نحو: {لَنَسْفَعًَا} (الآية "5" من سورة العلق "96") و{لَيَكُونًا} (الآية "32" من سورة يوسف "12") وقول الأعشى: وإيّاكَ والمِيْتَاتِ لا تَقْرَبَنَّها *** ولا تَعْبُدِ الشيطانَ واللهَ فاعبُدَا والأصلُ فيهن: لَنَسْفَعَنْ. وليكُونَنْ، فاعْبُدَنْ. إنْ وقَعتْ بعد ضَمَّةٍ أو كسْرةٍ حُذِفَتْ وردَّ ما حذفَ في الوَصْلِ من وَاوٍ أو ياءٍ لأجْلِها. تقولُ في الوَصلِ: "انصُرُنْ يا قَومُ" و "انصُرِنْ يا دَعْدُ" والأصلُ "انصُرُونْ" و "انصُرِينْ" بسكون النونِ فيهما، فإذا وقفتَ عليها حذفت النونِ لشبَهِهَا بالتَّنوين، فترجِع الوَاوُ والياءُ لزوالِ التقاءِ السَّاكنين فتقول: "انصُرُوا" و "انصِرِي". نُونُ جمع المُذَكَّر: (=جَمع المُذَكَّرِ السّالم 9) نونُ المُثَنَّى: (= المثنى 7). نونُ الوِقَايَة: (1) نونُ الوِقَاية لا تَصْحَبُ مِنَ الضَّمائِر إلا ياءَ المتكلِم، ويَاءُ المتكلم من الضّمائر المُشترَكةِ بيَن مَحلَّي النَّصْب والجَرِّ، فتَنصبُ بواحدٍ من ثلاثةٍ: فِعْلٍ، اسمِ فعلٍ، وحرفٍ. وتُخْفَضُ بواحدٍ من اثنين: حرفٍ، واسمٍ. وهذه العواملُ على قسمين: (1) ما تمنعُ معَهُ نُونُ الوقايَةِ. (2) وما تلحَقُه. فالذي تَلْحَقُه نونُ الوقَايَةِ على أَرْبَعَةِ أحْوال: وجوبٍ، وجوازٍ بتساوٍ، ورجحانِ الثبوت، ورجحان التَّرْك. (2) وجُوبُ نونِ الوِقَاية: تَجِبُ نُونُ الوِقَايَةِ قَبْلَ يَاءِ المُتَكَلِّم إذا نَصَبَهَا"فِعْلٌ، أو اسمُ فعلٍ، أو لَيْتَ" فأمَّا الفعلُ فنحو "دعَاني" في المَاضِي، و "يُكرِمُني" في المضارع و "اهْدِنِي" في الأمر، وتقول: "ذَهَبَ القوْمُ مَا خَلانِي، أوْ مَا عَدَاني، أوْ مَا حَشَاني" بنونِ الوِقَاية، إنْ قدَّرتَهنَّ أَفْعَالًا، فإنْ قَدَّرتَهُنَّ أحرفَ جرّ، و "ما" زائدة أَسْقَطتَ النون، وتقدير الفعليةِ هو الراجِحُ إلاَّ في حَاشَا فتثبتُ النُّون (الأرجح في حاشا أنها حرف دون "ما خلاني" و "ما عداني" إذ أن "ما" فيهما مصدرية لا زائدة و "ما" المصدرية لا يليها إلا الفعل)، قال الشاعر: تُمَلُّ النَّدامَى مَا عَدَاني فإنَّني *** بكُلِّ الذي يَهْوَى نَدِيمي مُوْلَعُ وتقولُ: "مَا أَفْقَرَني إلى عَفْوِ اللهِ" " و مَا أحْسَنَنِي إن إتَّقَيْتُ اللهَ". وهَذَانِ المِثَالاَن لفعلِ التَّعَجُّبِ، والأصَحُّ أنه فعل، وتقول "عَلَيْه رَجُلًا لَيْسَني" (حكاه سيبويه عن يعض العرب، وفي قوله "عليه" إغراء الغائب وهو شاذ، فأسماء الأفعال لا تكون نائبة عن الفعل مقرون بحرف الأمر)، أي لِيَلْزَمْ رَجْلًا غيري والأصحُّ في ليس أنها فِعل وأمَّا قولُ رُؤبة: عَدَدْتُ قَوْمي كَعَديدِ الطَّيْسِ *** إذْ ذَهَبَ القَوْمُ الكرامُ ليْسي ("العديد": العدد؛ الطيس، الرمل الكثير) فضرورة. وأمَّا نحو: {تَأمُرُونِّي} (الآية "64" من سورة الزمر "39")، و{أتُحاجُّونِي} (الآية "80" من سورة الأنعام "6") بتَخْفِيف النونِ في قِرَاءَةِ نَافع، فالمحذُوفُ نُونُ الرًّفْعِ وقيلَ نُونُ الوقَايَةِ (وهو مذهب الأخشف والمبرد وأكثر المتأخرين). وأمَّا اسْمُ الفعلِ فنحو "دَرَاكَني" بمعنىأدْرِكني و "تراكِني " بمعنى اتْرُكَنِي، و "علَيَكَنِي" بمعنى الزَمْني، وأمَّا "لَيْتَ" فَقَدْ وَجبتْ فيها نُونُ الوِقَايَةِ أيضًا لِقُوَّةِ شَبَهِهَا بالفعلِ، نحو: {يَقُولُ يا لَيْتَني قَدَّمتُ لِحَيَاتي} (الآية "80"من سورة الأنعام "6"). وشذَّ قولُ وَرَقَةَ بنِ نَوْفَل: فَيا لَيْتي إذا مَا كانَ ذَاكُم *** وَلَجْتُ وكُنْتُ أوَّلَهم وُلُوجَا بإسْقَاطِ النُونِ مِنْ "لَيْتي" وهو ضَرورَةٌ عِنْد سِيبويه، وأجازَ الفَرَّاءُ اخْتيارًا "ليتَني ولَيْتي". وممّا تَجِبُ به نُونُ الوقاية حَرفا الَجر "مِن وعَن" إذا جَرَّا ياء المتكلم إلا في الضَّرُورة كقولِ الشَّاعر: أَيُّها السّائلُ عنهُمْ وعَني *** لَسْتُ من قَيْسِ ولا قَيْسُ مِني وإن كانَ غيرُ هذين الحرفين امْتنعتْ النُّونُ نحو "ليَ" (مما هو على حرف واحد). و "فيَّ" (بتشديد الياء مما هو على حرفين). و "خلاي وعَدايَ" و "حَاشَايَ" (مما هو على ثلاثة أحرف فأكثر). قال الأُقَيْشر الأسدي: في فَتْيَةٍ جَعَلوا الصَّلِيبَ إِلهَهُم *** حَاشَايَ إني مُسلِمٌ مَعْذُورُ (مَعْذور بعين مهملة مَقْطوع العُذرة أي القلفة وهو المختون). (3) جوازُ نُونِ الوِقَايةِ بِتَساوٍ: يجُوزُ إِثْباتُ نُونِ الوِقَايَةِ وحَذْفُها فيما عَدَا "لَيْتَ ولَعَلَّ" من أخَواتِ إنَّ وهي: "إنَّ، وأنَّ، ولَكِنَّ، وكأنَّ" وذلك لما فيها مِنَ النُّونِ المشدَّدةِ فإنْ وَضَعْنَا نونَ الوقَايةِ فهي الأصل، وإن لم نَضَعْها فللتَّخْفِيف من كَثْرةِ النونات. كقول قَيْس بنِ الملَوِّح: وإنِّي على لَيْلَى لَزَارٍ وَإنَّني *** عَلى ذَاكَ فيما بَيْنَنَا مُستديمُها (4) رُجْحان ثُبوتِ نُونِ الوقَايةِ: الغَالِبُ إثْبَاتُ نُونِ الوقَايةِ إذا كانتْ ياءُ المتكلِّم مُضَافَةً إلى "لَدُنْ أو قَطْ أوْ قَدْ" (لدن: بمعنى عند، وقط وقد: بمعنى حسب)، و يجوزُ حَذْفُ النُّونِ فيه قَلِيلًا، ولا يخْتَصُّ بالضَّرُورَةِ خِلافًا لسيبويه، مِثالُ الحذف والإِثبات قولُه تعالى: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرَا} (الآية "76" من سورة الكهف "18") قرأ أكْثَرُ السَّبْعَةِ بِتَشْدِيدِ النُّونِ من "لَدُنِّي" وقَرَأَ نَافِعٌ وأَبُو بَكر بتَخْفِيف النُّونِ، وحَدِيثُ البخاري في صِفَةِ النَّار (قَطْني قَطْني) و "قطِي قَطِي" بنُونِ الوقَايَةِ وحَذْفِهَا، والنونُ أشْهر. وقالَ حُميدُ بنُ مَالك الأَرْقَط: قَدْني مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَيِنِ قَدِي *** لَيْسَ الإِمامُ بالشَّحِيحِ الملْحِد (الخبيبين: تثنية خبيب، وأراد بهما عبد الله بن الزبير المكنى بأبي خبيب وأخاه مصعبًا على التغليب). بإثباتِ نون الوقايةِ في الأوَّلِ، وحَذفِها في الثاني، وإنْ كانَ المضَافُ غيَر مَا ذُكِر امتَنَعَتِ النُّونُ نحو "أبي وأَخِي". (5) رُجْحَانُ تَركِ نُونِ الوِقَايَة: في "لَعَلَّ" إذا نَصَبَتْ ياءَ المتَكَلِّم، فحذفُ نونِ الوقَايةِ أكثر نحو: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ} (الآية "36" من سورة غافر "40") وشَاهِدُ إثْباتِها قَوْلُ عَدِيّ بنِ حَاتِم يُخَاطِبُ إمْرَأَتَه وقد عَذَلَتْهُ عَلى إنْفَاقِ مَالِه: أَرِيني جَوَادًا مَاتَ هَزْلًا لَعَلَّني *** أَرَى مَا تَرَيْنَ أو بَخِيلًا مُخَلَّدًا النَّيِّف: من الواحِدِ إلى الثلاثَة، فإذا جَاوَزَ ذلك التسعِ فهو البِضع، ولا يُقال: نَيِّف إلا بَعْدَ عَقْد يُقال: "عشرةٌ ونَيّف، ومائةٌ ونَيِّف، وألفٌ ونَيِّف".
|